الفصل الرابع والأربعون







من قالوا الصبا بالعمر.. خاطئ..


                                 فأنتِ بنظرِ أصبا الصبايا.



ظل ينظر لها وهى تتحرك بالغرفة ذهاباً وإياباً تطرقع مفاصل اصابعها بغيظ وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة و مفهومة منذ أخبرها بـ سفر ابنتها لشئ ضرورى لا يقبل التأجيل، كان يتأملها وهى تتحرك بقميص نومها الحريرى الأخضر الذى انحصر على مفاتنها وكأنها عروس تتجمل لـ عين عريسها، طافت ذكريات زواجهم أم عينيه ثم أبعدها ويمتعها بالنظر إلى ست الصبايا التى مهما دار العمر عليها ستظل بنظره تلك الصغيرة المتملقة التى أسرت عيناه منذ رؤياها ابنة السابعة عشر وهى تحتضن كتبها وتتوجه إلى المكتبة حتى تدرس بهمه ونشاط ، اجفله صوت منبه أذان الفجر الذي صدح من الهاتف بمعاده اليومى، ضاع الليل وهو يحاول إقناعها بأنه يثق بوعد ابنته بأنها ستحضر حفلة الحنة الخاصة بها، استغفر و وقف من جلسته الممددة فوق السرير وبدأت بـ ترديد الأذان وهو يقترب منها يوقفها بدورانها.. رفعت خضروتيها تنظر له متفاجئة بوقفته ثم ردد لسانها الأذان وراءه تلقائياً، عندما انتهوا من ترديد الأذان تنفست بقوة وهى تغمض عينيها وكأن كان يتلبسها الشيطان مصوراً لها سيناريوهات بشعة عن ابنتها التى ذهب بـ مهمة غير معلومة.


_ يلا يا حبيبتى نتوضى و نصلى جماعة وندعيلها ربنا يردها لينا بالسلامة.


هتف سائر بـ ابتسامة مطمئنه ويدلك ذراعيها بكفيه عله يسحب الطاقة السلبيه منها ويهديها الإطمئنان والسكينة، زفرت مستغفرة وهى تومأ بموافقة وتحركت منصاعه لجذب يده لها.


    بعد قليل كان يجلس ويجلسها فوق رجليه المربعة فوق سجادة الصلاة و يمسك كفها يسبح عليه كما اعتادوا منذ انتظامهم على الصلاة معاً، تلك السكينة وهدوء القلب والسلوان التى تشعر بها بعد كل فرضً تؤديه لا تستطيع وصفها وبعد انتهاء تسبيح ختام الصلاة و الصلاة على النبى مائة مرة، كانت الصورة الجامعة لهم هى بإسدال صلاتها وهو بـ بنطال رياضى مريح و فوقه تيشيرت بنصف كم رمادي، كانوا وكأن الدهر لم يمر عليهم يوماً ولم يلاقوا مصاعب الحياة و لو لدقيقة تلك هى ميزة التقرب والدعاء إلى الله.


*****************


بنفس التوقيت بدار الشيخ بو عواف بـ غرفة شهد كانت تسلم بصلاتها وبدأت ترديد التسبيح حتى سمعت صوت الشيخ وهو عائد من صلاة الفجر وقفت و هرولت إلى الخارج حتى تلحق به ، خرجت من الغرفة وجدته يتحدث مع صهيب و هو يتجه إلى الدرج حتى يصعد لغرفته فـ نادت عليه بصوتها الجاد: شيخ ابو عواف.


التفت ينظر إليها هو و صهيب ولكن توقف لسانه عن تصحيح إسمه (بو عواف) وردد: سبحان الخالق.. ماشاءالله.


وكان صهيب ينظر لها بعيون لامعة بالإفتتان من مظهرها بالحجاب والاسدال الصلاة ويردد داخله مثل أبيه الذى هتف: إش تريدى بنيتى.


_ كنت محتاجة أشوف مكان هنا دلوقتى ممكن تساعدنى.


هتفت جملتها متغاضية عن نظرات صهيب و فمه الفاغر الذى يكاد يلامس صدره من تأمله لها.


_ مثل ما ودك ، قوليلى وين وأنا بشوف اذا بقدر.


_ عند الحدود، عارفة انهم هناك بيحترموك وليك معزة خاصة ومحتاجة أقابل حد هناك.


_ بس هذا خطر عليكِ يا بنيه.


_ قولتلك يا شيخ عشته كتير.


_ خلص مثل ما ودك، صهيب بترافق الصبية وبتوصلها وما تخليها إلا وهى راجعه معك.


أنهى حديثه وهو يلتفت لصهيب الذى إنفرجت أساريره بعد سماع أمر والده الأحب على قلبه بمرافقتها، سيطر على ذاته و أومأ باحترام لوالده فهتفت شهد بإبتسامة عملية: تسلم يا شيخ، هغير هدومى واجي حالاً.


عادت لغرفتها مسرعة بخطوات رشيقة بينما هتف الشيخ وهو ينغز إبنه بعصاه والذى لم تنزل عينيه من عليها: فوج لروحك هاى مانا منا و لا تنسى عروسك، بترافئها حتى تنتهى وتعاود معك… قبل ما أخلص اجتماع الشيوخ سامع.


اعتدل صهيب وملامح وجهه تتغير لـ مئة وثمانون درجة بعد تذكره لخطبته التى تمت منذ كان عمره ثلاث سنوات من ابنة عمه والذى كان عمرها يوماً واحد، حرك رأسه بموافقه واستأذن حتى ينتظر شهد بالخارج ويجهز سيارته حتى يغادرون.


دقائق وخرجت شهد من الغرفة وهى تحمل حقيبة الظهر على كتف واحد و عقصت شعرها البنى بـ كعكه فوضوية فوق رأسها و ارتدت بنطال من القماش المرن الفاخر والمريح باللون الأبيض و فوقه قميص بـ كم يصل إلى بعد مرفقها بقليل باللون الوردى وجدت الشيخ بمفرده وكان صعد عدة درجات ثم وقف عند هتافها له: متنساش يا شيخ القهوة أول ما أخلص مشوارى.


التفت ينظر لعينيها التى كان الزيتون ينصهر ويتحول لوهج لم يراه إلا بظباط الحدود المغوارين الذين يستعدون للشهادة دون أن يرف لهم جفن واحد أومأ برأسه وهو يهتف: بس لا تعاودى و تقولى هاى مره كتير.


ابتسمت وبعدها غادرت وجدت صهيب يجلس بسيارة اثنين راكب وصندوق مفتوح بالخلف، صعدت بجواره هاتفه: لف من هنا الأول قبل ما نروح للحدود.


********


دقائق وكان يوقف السيارة أمام سيارة مغطاه بأول القرية بمكان بعيد عن الأنظار، نظر لها باستفهام عندما وجدها تترجل ومعها حقيبتها .


ترجل خلفها هاتفاً: ليش وقفنا هنا.. ولمن السيارة هذى.


أجابته وهى تبعد الغطاء الأصفر الأشبه بالرمال أسفله و كشفت عن سيارة الدفع الرباعي: وعدته مروحش هناك إلا بيها حتى لو مش هتحمينى من المكتوب. 


 التفت له بعد أن وضعت الغطاء بحقيبة السيارة و تنفض كفيها ببعضهما من الرمال متمتمه: يلا اقفل عربيتك و تعالى معايا فى دى.



_ انجيتى أنتى، كيف نروح بهاذى السيارة.


_ دى أوامر البوص مقدرش اخالفها يا تيجى معايا فيها، يا تركب عربيتك و أنا همشى وراك ويلا بسرعة لان الشمس قربت تطلع.


أنهت حديثها وهى تصعد بمقعد السائق و بدأت باشعالها زفر بغضب متذكر حديث والده أنها لن تصلح له حتى لو أراد لن يتركها بسيارتها بمفردها حتى لا تتجه لمكان ملغم. لا تعرفه دون قصد أغلق سيارته مستغفراً و بعدها توجه لمقعد السائق هاتفاً: اتنجلى حتى أسوق أنا عشان الألغام بالطريق. 


حركت كتفيها بلا مبالة قافزة برشاقة على المقعد المجاور دون أن تنزل من السيارة مفسحه له المجال حتى يقود. 


************


مر نصف ساعه حتى وصلت لـ صرح خاص بأسود التى تحمى بلادها وقت انشغال شعبها بمشاغل الحياة وجدت جندى شاب واضح أنه يقضى وقت خدمته بالجيش واقف خلف أشوال من الرمل فوق بعضها على بداية الصرح وقف بتأهب عندما وحد السيارة تقترب منهم… أوقف صهيب السيارة على بعد قليل حتى يترجل منها هاتفاً : يلا ترجلى لان لو قربنا أكتر من كده راح يفكرونا جايين بهجوم ارهابى.


ضحكت بمرح وهى تلتفت للخلف تتناول حقيبة تشبه حقائب الهدايا و حقيبة الظهر الخاصة بها و بعدها ترجلت من السيارة وهى ترتدى طاقية رياضية سمراء أخفت ملامحها تحميها من الشمس التى سطعت بقوة بهذا الوقت من الصباح بتلك الصحراء الفارغة إلا من كمائن و بيت كبير دار عليه الزمن، توجهت خلف صهيب الذى رفع ذراعيه باستسلام وهو يقترب من الجندى الذى وقف متأهب له خاف أشول الرمل صائحاً: جاين بـ سلام يا "أسد"، ودنا القائد ياسر… قوله صهيب ابن الشيخ بو عواف.


عندما وقفت بجوار صهيب و تمسك ذراع الحقيبة تثبتها على كتف واحد و تمسك الحقيبة باليد الأخرى وجدت القائد يظهر من فوق سطح المبنى من جوار الجند الأخر المسؤول عن سلاح القنص واقفاً يرحب بـ صهيب بصوت عالي واشار للجندى حتى يسمح لهم بالمرور ولكن أوقفها هى رفعت نظراتها له من أسفل الطاقية ممن خلف نظاراتها الشمسية هاتفاً: إيه اللى موجود فى الشنط دى؟؟.


رفعت حقيبة الهدايا هاتفه بمرح: متخافش دى مش قنبلة، دى هدية لـ ياسر باشا.


اكملت حديثها وهى ترفع ذراعها التى تحمل عليها حقيبة الظهر: اما دى فيها قنبلة مستوردة ليكم مخصوص.


اتسعت عين الجندى برهبة وهو يشدد على سلاحه ولمع الخوف لـ ثانية واحدة بعينيه ولم تكتمل بسبب شجاعته التى أظهرها وهو يهتف: واحنا بنرحب بالمكتوب.. 


ضحكت وهى ترفع يدها تمسك سلساله الفضي المنقوش عليه اسمه هاتفه بفخر: تعيش يا وحش.. ليك معايا حاجة مخصوصة أول ما تسلم مكانك هستناك جوه يا حسن.


كان ياسر وصل لموقعهم و وقف مع صهيب مرحب به وكأنهم أصدقاء منذ الصغر وعندما رفع نظراته لها من فوق كتف صهيب ثم حدثه ولم تستطيع سماعهم بسبب بعدهم وصوتهم المنخفض وبعدها سمعته بعد أن وقف صهيب بجواره ينظرون لهم: سيبها يا حسن دى ضيفة الشيخ بو عواف.


وسع لها حسن الطريق وبدأت تقترب منه بخطوات أشبه بالعسكرية و عندما وقفت أمامه ولم يستطيع التعرف عليها بعد خلعت نظارتها و الطاقية متأففة متمته: كده كتيير يا كوتش، مش معاملة دى.


_ شهد الشهاوى.


هتف بها ياسر متفاجئً بعد أن رأها وسمع صوتها، ضحكت بمرح وهى ترفع يدها بتحية عسكرية تهتف: تحت أمرك يا فندم.


_ كده قلبى مش مطمن طلما جيتى بنفسك.


/_ ليه كده تسوء سمعتى، انسى بقى مكنش موقف وبعدين سيادة العقيد مروان هو الا بعتنى ليك مخصوص حتى وصانى ماجيش الا بده.


رفعت حقيبة الهدايا أمام وجهه وهى ترسم ابتسامة كبيرة زادتها فتنه وجمال جعلت ياسر يلتفت حوله ينظر الا الجنود حوله و وجدهم جميعاً يقفون وينظرون لها ببلاهه و أفواههم مفتوح من تلك الأنثى التى كسرت محربهم الذين شيدوه منذ قدومهم، همس بصوت هامس: حسبى الله فيك يا مروان أنت اللى باعتها.


جذبها من معصمها المرتفع بالحقيبة و اتجه إلى داخل المبنى لـ غرفة مكتبة يبعدها عن نظرات رجاله التى تأكلها بعد أيام عجاف هاتفاً: اتفضل يا صهيب على المكتب.


بنفس الوقت كان حسن سلم مكانه لاستلام وقت الراحة واتجه الى الداخل، رأته شهد قبل أن يدخل غرفته بالممر فـ صاحت وكأن بينهم عشرة وصداقة قديمة: حسن، هستناك فى المكتب ضرورى.


تخشب حسن مكانه أمام باب الغرفة و زملائه ينظرون له باتهام بأنه أخفى عنهم معرفته بتلك الحورية التى تعرف قائدهم، اما ياسر فـ دفعها للغرفة دفعاً.



أشار ياسر بترحيب لـ صهيب أن يجلس على كرسى الخشب و التفت إلى شهد يهتف: تعرفى حسن؟!.


_ أول مرة أشوفه.


هتفت بلا مباله وهى تحرك كتفيها لأعلى وأسفل واتجهت تجلس بأريحية على الكرسى المقابل لجلست صهيب واضعه حقيبة الهدايا والطاقية الرياضية ونظارتها بينما رمت حقيبة الظهر بجوار الكرسى على الأرض فوق المكتب القديم جوارها وتستند بمرفقها عليه هاتفه بأسف لـ صهيب: استأذنك يا صهيب فى كلمتين للكابتن على ما تشرب الشاى مع الاسود بره.


تفهم صهيب طلبها و قام مرحباً هاتفاً باستأذان: بشوف الرچال بالخارچ اذا محتاچين شي من القرية.


وافق ياسر بإبتسامة والتف يجلس مكانه أمامها ينظر لها بترقب وعندما أوشك على الحديث وجد الباب يدق وبعد أن سمح بالدخول كان حسن و يحمل صينية فوق كوبين من الشاى و جبن أبيض قديم و خبز، وقفت شهد مسرعه تحملها منه هاتفه بـ مرح: والله ما يحصل يا عريس.


احمرت اذنيه و رقبته من طريقتها بـ بعض الإحراج جعله يترك الصينية بيدها وكاد يستأذن للخروج ولكن سمعها تهتف وهى تخرج من حقيبة الظهر ظرفاً تسلمه لـ ياسر: حسن أجازة اسبوعين عشان فرح اخته و فرحه.


برق وجهه حسن من فرحته ونظر لها بعدم تصديق ينقل نظراته بين ياسر الذى نظر لـ الورقة التى اخرجها من الظرف بإبتسامة.



***************

بمطار القاهرة الدولى..


انهى محمود المعاملات والتفت الى الواقفه تنظر له بعشق يزداد تخفيه خلف عبوسها المزيف بسبب سفره معها وتحكمه كما تخبره وأيضاً أمره لها بأن تنتظره على المقعد حتى ينتهى من المعاملات ويأتى لها… جلس بجوارها و وجوم وجهه لم ينفك منذ البارحة، كان يرسم الابتسامة أمام والديه ولاري التى تعلقت به بقوة حتى أكثر منها شخصياً، له سلطة غريبة على القلب، من يراه يقع طوع أوامره وكأنه سلطان لا يستطيعون الابتعاد عنه أو رفض سلطته عليهم… تنهيدة عميقة خرجت من ثغرها وهى تمسد بكفيها تكور بطنها الطفيف وكأنها تشكيه لمولودهم وتشكيه تجنبه وصمته معها غير أوامره التى ينطقها مره واحده وبعدها يتشبعها من الجوع والصم بسبب انقطاع صوته التى تشعر وكأنه يكفيها عن ملاذات الحياة جميعاً، تظن أنها هرمونات الحمل من تفعل بها هذا!!.. وعندما وجدته ينظر لها بجانب عينيه دون التحدث مالت برأسها على كتفه تستريح بجلستها وتلتصق بجانبه وكفيها لم يتركوا جنينها الحبيب والذى يمدها بالقوة والـ الـ…. لا ليس الأن حبيبى تعقل!!.. ولكن متى كان غثيان الحمل ينتظر الوقت المناسب بل اندفع جسدها للأمام قليلاً وانفجر الطعام من فمها أمامها وهى تنحنى و تمسك معدتها التى تتلوى من الألم وحريق يندلع بداخلها لا تستطيع ان توقفه.


فغر فم محمود بصدمة وهو ينظر لها لم تطل عندما تأوهت وهى تنحنى بقوة وتمسك بطنها أسندها بكفه بقلق و الأخر مسد على ظهرها طلوعاً ونزولاً عله يخفف ألمها قليلاً وعندما شاهد علامات الاشمئزاز والقرف على وجهه المسافرين الجالسين بالقرب منهم و المارين إلتفت ينظر حوله حتى وجد عاملة نظافة تمر فـ صاح عليها فـ اقتربت و على وجهها يرتسم الاشمئزاز مجيبه اياه مغتصبة: أفندم!.


زفر بغضب لا يعرف ماذا يفعل؟؟.. ودفس يده داخل الحقيبة الرياضية التى يحملها بيده يضع بها محفظته و جواز السفر وأشياء تخصه وأخرج ورقتى ماليه قيمتهما اربعة مئة جنيهاً وأعطاها لها هاتفاً: لو سمحتى ممكن تنضفى ده على ما أوديها الحمام.


التقطتها من يده بسعاده أخفت الإشمئزاز والقرف سريعاً وهى توافقه وبعدها أسندها تقف ولكن صاحبها دوار الغثيان لم ينتهى بعد فترنحت وكادت تقع، انحى سريعاً يحملها و وجهه احمر بسبب انفعاله وقلقه الظاهر للجميع وأمسك حقيبتها وحقيبته بكف يده أسفل ركبتيها وانطلق بها إلى الحمام وترك العامله خلفه تحرك فمها يمين ويسار بحركة شعبية تتحسر بها وتضرب كف بأخر هاتفه: دا تنا نيلة فى حظنا الهباب، أدى الرجالة ولا بلاش مش احنا الا متجوزين عشماوى وكمان بيستقوى علينا.


وبعدها التفتت تحضر اشياءها الخاصة بالتنظيف وبدأت بالعمل.


اتجه إلى الحمام الحريمى ودفع الباب بقوة دون أن يستأذن أو يدقه وجد بالداخل امرأتان يقفون أمام المرآة وعندما رأوه واحدة وقفت تتأملة والأخرى صاحت به: ايه قلة الذوق دى يا أستاذ ده حمام حريمى.


_ أسف جداً.. مراتى استفرغت و عندها دوار مش قادرة تقف.


هتف بأسف حقيقى وهو يبحث عن كرسى يريحها فوقه أول من تحركت العاملة التى جذبت الكرسى الخاص بها و قربته منه فـ أراحها عليه وهو يسند رأسها ويربت على وجنتها ينادى عليها حتى لا تستسلم للدوار.. جذبت تلك المرأة كوب وبه بعد الماء هاتفه وهى تقترب منها تمسح وجهها به وتنظف وجهها بالمحارم الورقية بعد أن وجدت علامات الغثيان حول فمها: وسع يا سيد لما أشوف المدام مالها.


بدأت تستعيد وعيها وتفيق لما يحدث حولها وجدت امرأة تنظفها و أخرى واقفه تستند على طرف الحوض الرخامى وتنظر إلى محمود بحالمية غير ملتفته لما يحدث حولها و صوت المرأة التى بجوارها تهتف: أحسن دلوقتى.


أومأت برأسها وهى تعتدل و تشدد بكفها على كف محمود الذى لم يتركه فهتفت المرأة وهى تتجه إلى حقيبتها تخرج منها برشام و تلتقط كوب جديد بلاستيكى وتملئه من المكان المخصص للشرب وتقترب منها: شكلك مامى جديدة، انا الميس ايمان، بقسم التمريض للولادات، اتفضلى ده برشام للغثيان الصباحى حظك انى واخداه معايا عشان أختى حامل ومستنيانى بره..


انهت حديثها وهى تمد يدها بالكوب والبرشام لها وكادت تأخذه منها ولكن أبعده محمود بـ بعض الحدة هاتفاً: شكراً جداً ليكى بس هى لسه مفطرتش وكمان الدكتورة المسؤولة عنها كاتبها، شكراً ليكى.


انهى حديثه بابتسامة صفراء وبعدها انحنى على تولين يسألها بحنام وهو يفك حجابها قليلاً: احسن دلوقتي يا حبيبتى؟!.


أومأت برأسها وهى تنظر له بوهن جعله يتنهد وهو ينحنى عليها يحملها حتى لا تفوتهم الطائرة وعندما كاد يخرج بها توقف على نداء تلك التى وقفت تتابعهم منذ البداية دون تدخل هاتفه: اسم الأخ إيه؟!؟!.. 


نظر لها باستفهام فـ هتفت ببلاهه: طب اسم الوالده او أنت ليك اخوات ولاد…


فهم مقصدها من نظراتها التى لا تبتعد عنه بولهه هاتفاً بـ ابتسامة صفراء: عندى... فرحهم آخر الأسبوع.


_ يا دى النحس.


هتفت بها وهى تقوس فمها بعبوس دفع الادرينالين داخل تلك المحمولة على يديه و تقفز من فوقهم واقفه تشمر عن ساعديها بتوعد هاتفه ناسيه نشأت بـ لندن والتربية الراقيه التى كانت تشيدها والدتها وظهر منها العرق الشرقى الشعبى باحت : افكهولك يا بنت ****.


وانقضت فوقها تلكمها بـ وجهها كأنها أمسكت أحد الارهابين، لكمه جعلت الفتاه تقع أرضاً فاقدة وعيها وخط دماء يسيل من أنفها بسبب قوة اللكمه… بينما كان محمود مازال واقف بالقرب منها يحاول الخروج من الصدمة من تحولها المفاجئ بلحظة و انقضاضها على الفتاة فاق منها على اصطدام القوى من جسد الفتاه على الأرض فـ حذبها بقوة خارجاً من الحمام وهى تصارعه حتى تعود وتكمل تأديبها وطريقتها لـ فك نحس المسكينة الشهيدة. 


سمع نداء حتى يتوجهوا الى الطائرة ولم يجد حل لتتحرك غير حملها فحملها بقوة يثبتها داخل أحضانه صارخا بها: اهدى، لو كنتى فعلاً عايزة تتزفتى تسافرى.


سكنت بين أحضانه تحاوط رقبته بوداعه تناقض ما حدث منذ قليل هاتفه بنبرة مائعه: انت تؤمر يا حبيبى.



زفر وهو يحرك رأسه يمين ويسار غير مصدق تحولاتها وتغير مزاجها منذ حملها هى كل شئ ونقيضه، تمسحت بتجويف رقبته وهو يتحرك به باتجاه الممر الخاص بالطائرة مباشرة هاتفاً داخله بمرح لا يظهره لها حتى لا تظن أنه نسى فعلتها ( لا تغضب امرأة حامل يوماً، حتى لا تتعامل مع هرموناتها).


******************


بـ سيناء على الحدود.


ارتشفت من الكوب الزجاجى الشفاف قطرات الشاى و بعدها بدأت تلوك الخبز المغمس بالجبن الحادق تستمتع بذلك الطعم الخرافى تاركه ياسر يتفقد هدية زوجته وأولاده الذين ارسلوها كي يسعدوه وجدته يخرج ورقة بيضاء مرسوم عليها رسومات واضح أن من رسمها صغيرته الشقية القريبة من القلب بها جندى وبجواره كلمة (بابا الأسد الحامى) وبجواره علم مرفوع يتلون بألوان النصر لـ مصر الحبيبة و بعيد بقليل مرسوم طفلين و أم وطفلة ويمسكون أيدى بعضهم بقوة ومكتوب فوقهم ( اشتقنا إليك يا سوبر بابا)..



لمعت عين ياسر بدموع الاشتياق لهم وابتسامة تناقض دموعه تملأ وجهه ثم قبلها وهو يطويها ويحفظها بجيبه بجواى قلبه حتى لا تبتعد عنه و وبعدها اخرج مصحف مذهب مغلف مكتوب على غلافه ( وحشتنا يا حبيبى ويا سندى مستنياك… المصحف ده عشان تقرأ فيه بدل القديم عشان ربنا يرجعك لينا بالسلامه… سلام مؤقت من…. أم العيال).


فك الغلاف وقبل المصحف الشريف و وضعه فوق فوق سطح المكتب بجوار يده وعندما بدأ بإخراج الباقى كانت انتهت شهد من طعامها قائلة: مش نخلص بقى لان لازم ارجع بدرى.


حمل الحقيبة وهو يومئ برأسه ثم وضعها جانبه على الأرض ورفع كفه يمسح دمعه خائنه تحررت من تماسكه ثم ابتسم قائلا: شكرا يا شهد.


_ على ايه مفيش داعى، يلا ندخل في المهم.


أجابته مبتسمة ثم بدأت بالتحدث عن ما أرادته هى لمده طويلة لم تشعر بها وكانت وجوههم مرسوم عليها ملامح الجدية و القوة بما هم مقدمين عليه. 


      *****


مر أكثر من ساعة وهو يجلس مع الجنود يستمع إلى مرحهم المتبادل حتى يهونون بعدهم عن عائلتهم نظر إلى ساعة يده القنية الذى ابتاعها من القاهرة منذ أيام دراسته هناك بالجامعة، كان يظن أنه سيترك هنا ويغادر ويبدأ حياته الحقيقية التى تمثله هناك بالعاصمة ولكن كلمة والده لا تعاد مرتين.. خطبته المغصوب عليها حسب العرف والتقاليد،وكلمة والده التى لا تتكرر.. ( ياري ) تلك القريبة البعيدة عن القلب، هى قريبته والمجبور على التزاوج منها حتى تمتد صلة القوة بين اكبر عشيرتين بـ سيناء، زواج محكوم منذ دهور لا يستطيع الفرار منه، ولكن ماذا يفعل والقلب ملك لأخرى، افاق من شروده على صوت شهد وهى تنادى عليه وتشاور له حتى يأتى. 


وقف من مكانه ينفض التوب الرمادى الذى يرتديه ويعدل من شال الرأس وهو يتجه إليها، والده يظن أنه معجب بها كرجل لإمرأة لا والله فهو انجذب واعجب بقوتها التى يراها لأول مرة بامرأة أمامه وتقلباتها من انثى ناعمة لأخرى تريد خوض حرب لأجل شعبها. 


وصل إليها و وداع ياسر بتمنى لقاء جديد وبعدها توجهه معها إلى سيارتها التى تقف بعيد عن مكانهم نسبياً. 



**************


_ زى ما قولت لحضرتك يا بابا انا عاوز اقرأ الفاتحة والخطوبة والفرح هيبقى قبل دخولها الكلية.


هتف رئف وهو ينظر.إلى أنحاء غرفة المكتب بعد مفاجئة أبيه بقدومه وطلب مقابلته ضروريا بمكتب الشركة، حتى لا يرى انفعال ابيه بعد أن فجر قنبلته بأنه يريدها هى لا غيرها فـ أجابه سائر بهدوء يحمل بعض السخرية: وايه كمان يا حبيب والديك.


_ يا بابا لو سمحت أنا مبطلبش حاجة عيب أو حرام ده أولاً.


هتف رئف بعبوس وكبت لا يستطيع أن ينفجر أمامه احترام لأبيه وعندما أوشك أن يكمل حديثه كان يقاطعه سائر وهو يرجع ظهره للخلف و يحرك القلم بين أصابعه بحركة سريعه وخرجت نبرة ساخرة: وايه ثانياً يا حبيب بابا.؟.


_ عن إذنك يا بابا أنا أسف عندى شغل.


تزامن حديث رئف مع وقوفه متهرباً من حديث والده الساخر وعندما اقترب من الباب سمع كلماته والده التى ضربته بقوة دون رأفه بحال قلبه المنقسم والمشتت: لما تسترجل وتقدر تواجه وتدافع عنها وعن حبك ليها ابقى تعالى واتكلم، دى بنتى مش بنت صاحب عمرى بس. 


وعندما لف رئف رأسه ينظر إلى والده من فوق كتفه بنظرات خاوية و مخذولة وجده اعتدل بجلسته وبدأت بتكمل مراجعة الأوراق الموجودة أمامه فلم يهتف بحرف واحد وانسحب من أمامه مغلق الباب وراءه بهدوءه المعتاد والمعروف عنه.


**************


_ طب إيه رأيك نخرج شوية أنا محتاجكِ معايا يا كرميلا، ده خلاص كلها تلات ايام على حنتى و مجهزتش حاجة.


هتفت هنا بمحايله حتى ولو كانت جهزت كل ما تريده علها تخرج شقيقتها من الانطواء المفاجئ و عزلها للجميع وانطفئها المفاجئ.


_ خلاص كفاية زن هجهز وأجيلك.


أجابتها كارما بوهن بعد أن يأست بالتهرب منها والحاحها المستفز فقررت الخروج عله يشتت عقلها ولو قليلا عنه، صاحب خفقات قلبها و سبب عذابه… خرجت هنا منتصرة وجدت والدتها تقف خارج الباب تنتظر ابنتها علها تنجح بخروج صغيرتها من تلك الشرنقة التي تحاوط بها نفسها، هتفت بلهفة قلب أم مكلوم على صغيرتها: وافقت تيجى معاكى.


_ عيب يا ست الكل، أنا الكوتش هنا بردوا.


اجابتها بغرور مصطنع تحرك ياقة وهمية حول رقبتها ونبرة سوقية جعلت هدير تعكص وجهها باشمئزاز أنساها قلقها هاتفه بتقزز من اسلوبها: انتى مش هتتغيرى بقى من اسلوبك البلدى ده، أنتى بنت فين أنوثتك؟.


_ عند مالك قلبى.


أجابتها بولهه وقد اعتادت على حديث هدير معها لتعديل سلوكها دائماً فـ هى النقيض من شقيقتها الرقيقة فضرب هدير كف على أخر وهى تبتعد عنها: لا حول ولا قوة الا بالله، أنا همشى قبل ما انجلط منك.


***************


بـ سيناء.


وصلت شهد مع شيخ بو عواف الى المكان المقصود واتجهت إلى ذلك البئر و بجواره شجر الزيتون الفلسطيني الوحيد الموجود بسيناء وعندما ترجلت من سيارتها التى أصرت على المجيء بها ذهب إلى البير تستند عليه بظهرها وتنظر إلى تلك الأشجار القليلة تتأملهم وعندما اقترب منها الشيخ بو عواف هتف: أنتِ هيك وصلتى بنيتى مكان ما وديك، لكن هذا المكان بيجي فيه كتير من رجال الظلام بنيتى وأخاف.أحد يعرفك ويضعك بـ عقله.


كانت تستمع له وهى تتأمل تلك الأشجار تحركت خطوة على يمينها وجدت أن شجرتين قريبتين من بعضهما كـ عشاق يميلون لبعضهم اقتربت منهم بحذر و عندما وقفت بينهم وجدت أن الشمس تصل إلى نقطة واحدة بينهم وكأن ذلك سهم يشير لها عن ما تبحث عنه ولم تقف لدقيقة واحده وبدأت بالحفر بكفيها حتى شعرت بشئ خشبى يصطدم مع يدها وعندما أخرجته وجدته ملفوف بعلم فلسطيني وعليه حرف كتب بالدم ( چـ ) رفعت رأسها عندما سمعت حفيف اقدام مع الرمال وخلخال برنة تجلب السعادة لقلب من يسمعها تقترب فوقفت سريعاً وهى تلتفت حولها حتى رأت تلك الصبية التى تقترب من البئر تهتف مرحبه بالشيخ بو عواف هاتفه: كيفك يا شيخنا ؟. مو بعادة تنور هالمنطقة وبركاتك تحل على ( بئر الهيام) . 


أخفت شهد الصندوق خلف ظهرها واتجهت إلى الشيخ الذى أضاء وجهه وهو يرى الصبية تقترب منه وعيناها الكحيلة هى ما تظهر منها فقط هاتفاً بمحابه: والله ما نور إلا نورك يا أجمل الصبايا، كيفك يا "ياري".. 


_ بخير و صحة طول ما أنت بخير وعافيه شيخنا، من هذه؟


انهت حديثها وهى ترى شهد التى خرجت من بين الأشجار وتقترب منهم بابتسامة وقاطعتهم قائلة: تسلم يا شيخ، لقيت طلبِ..( التفت تنظر إلى ياري بابتسامة تكمل حديثها): أنا شهد ضيفة عند الشيخ وزيارتى خلصت انهارده بس ممكن أطلب منك طلب.


أومأت ياري لها وهى تنظر لها بأعين تملئها الغيرة على غريبة تبيت تحت سقف واحد مع خطيبها و سارق قلبها.. بينما شهد تنظر لها بابتسامة لا يعلم غيرها فحوها وعقلها مع فارسها الذى متأكدة بأنه يجهز لها الويلات.


***************

يتبع……


***************





تعليقات

المشاركات الشائعة