الفصل الأربعون
الحياة هى الخطوة التالية..
جازف دون خوف وأفعلها فـ هى مقدرة لك وحدك..
حائرة أم غبية ، أنانية.. تلك الكلمات صدحت بعقلها منذ دلوفها إلى المنزل الصيفى المكون من طابقين بـ مرسى مطروح، تلك المدينة الساحرة الخارجة من الكرتون سبحان من جعلها وصورها هكذا .. لم تصدق عيناها وهى تقرأ اللافتة بإسم المكان.. فـ المنطقة المتواجدين بها مكان نائى لا يوجد به منازل كثيرة بين كل واحد وأخر مسافة ليست قليلة.. لم تتوقع فعلته هذه بل تابعته كـ العمياء التى لمحت نور فتتبعته لعله يعيد بصرها مرة أخرى، إلتفت تنظر إلى الغرفة الكبيرة و بها حمام داخلى وأساسها كلاسيكى حديث مدهونه باللون الأبيض مطعمه بالبنفسج و الحائط أبيض باهت ولكن مريح للأعين شكرت فادي بداخلها أنه تركها تلك اللحظات متفردة متحجج بأنه يريد أخذ دوش ينعشه بعد الليلة الماضية و قد لحقهم الصباح وهم بالطريق.. وقفت من فوق الفراش القطيفه الناعم المفرود فوق الفراش باللون السكرى، كانت تضم قبضتها فوق قماش التل بقوة كادت تمزقه عندما سمعت صوت باب الحمام يفتح.. أغمضت عينيها بقوة وهى تعطى ظهرها للباب حتى لا تراه لا تعرف لم تذكرت الأن عادته عندما كان صغيراً وكان معها بعلاقتهم الحميميه.. تذكرت قوله أنه لا يرتدى التشيرتات القطنية المريحة فى المنزل بل يفضل جلوسه عارى الجذع مكتفى بشورت يصل إلى قبل الركبة بسبب جسده الذى يصهد سريعاً .. ضربتها عاصفة هوجاء من المشاعر التى عادت لها من الماضى تصيبها برعشة بعمودها الفقرى و نغزات محببة بمعدتها.. إحمرت أذنيها و وجنتيها بقوة بسبب خجلها الفطرى الذى عادت تشعر به بعد أن كانت وصلت إلى مرحلة من التبلد وعدم الشعور بأى شئ.
شعرت به يقف أمامها و دقات قلبهم تتصارع و تعلن عن ولادتهم باللقاء مرة أخرى.. شعرت بقطرة باردة تسقط فوق وجنتها الساخنة ولكن لم تهدأ من حرارتها بل زادتها وجعلت أنفاسها تتوقف والرئة تتضخم مليئة برائحة الغسول الخاص به، لا تعرف ماذا تفعل؟؟!.. تكاد تقسم أنها ستصاب بأزمة قلبية بتأكيد..
ظل يتابعها وهى تغمض عينيها بقوة و تتمسك بأطراف فستانها بقوة حتى نزعت القليل من التل بأظافرها.. ساحرة مغوية.. سحرته بصبها فلم يجد مثلها مهما حاول اللقاء والمعاشرة.. أنفاسه تتسارع بسبب قلة صبره لإمتلاكها مرة أخرى ولكن يريد التأكد بأنها معه ناسيه كل الماضى ومخاوفها وأشباحها، رفع كفه البارد يحاوط وجنتها التى إنتفخت و إزداد إحمرارها بخجل و إنقطاع أنفاسها منذ وقوفه هامساً بخفوت وهو يفرج بين شفتيها حتى تفرج عن رئتيها وتخرج نفسها المكتوم ولكن زادت بعنادها: خدى نفس يا كيمو.
تكاد تفقع عينيها من شدة غلقها تريده أن يحررها ولكن لا تعرف ما هو المانع الذى يقف بينهم.. لا هى تستطيع الإقتراب و لا هو حاول غير تلك المحاولات التى ساعدتها بتقبله.
_ هتتنفسى ولا أساعدك أنا بقبلة الحياة.
همسها بمكر وهو يلمس طرف شفتيها بخاصته جعلها تزفر بوجهه بخوف وهى ترتد للخلف خطوة واحدة جعلتها تدوس فوق طرف الفستان فاقدة إتزانها واقعه فوق الفراش الناعم و هو فوقها عندما حاول الإمساك بها.. تتطلعت له بعينيها الضيقة السمراء اللامعة و أنفاسها تتلاحق بقوة حتى تلتقطها بعد أن كادت تفقدها نهائياً، حاولت دفعه بكفيها الرقيقتين ولكن ثبت جسدها بثقله و هو يستند فوق ذراعيه محاوطها بقوة بعد أن وجد داخل عينيها دفئ و جوع للشعور بأنوثتها التى أماتها شبيه الرجال.. أن يرجع لها ثقتها بنفسها ولم يجد الذعر ولا النفور بهم شجعه أن يخفض رأسه يلمس أنفها بطرف أنفه و يده تعمل على فك دبابيس الطرحة بمهارة كـ إستخدامه للسلاح النارى، وجدها تغمض عينيها ولكن تلك المره بهدوء كأنها تأهل نفسها للقادم وقرر مساعدتها قائلاً وهو يرفع القليل من ثقله و يستند بركبته التى تحاوط رجليها: أنا فادي، وأنتى كيمو مررااتى.. مافيش حد بينا.. أنتى حلالى متفكريش فى حاجة تانية.. إنهاردة أول لقاء العمر بينا.
إنتهى من فك طرحتها فـ إستند على ركبته يعتدل ثم يعدل جلستها دون أن تشعر مستسلمة لـ يديه التى يحركها بها مستمتعه بهمسه ولمساته و أنفاسه الساخنة.. مد كفيه يحاوطها من الخلف حتى وصل إلى السحاب الخاص بالفستان وبدأ بفتحه ببطئ ولم تشعر بعدها إلا بلفحات برد صغيرة تحولت لـ ساخنة وهى بين أحضانة ناسيه الماضى والمستقبل وكل ما ترغبه الحاضر وإعادة تلك الكريمة التى كانت نسيتها مع العذاب و المر التى شاهدته قبل والأن هى بين ذراعى فادى حبيب الصبى… ناسية كل الماضى حارقة صفحاته و بادئة بأخرى بيضاء تسطر بداخلها سعادتها مع زوجها وأب أبنائها.. والقادم الذى سيتأكد من زراعته بداخلها.
***************
مازالت جالسة فوق فراشها بإبتسامة حالمة وعيون تكاد تخرج قلوب من إضائتها ولمعان نهر عسلها الصافى بعد ما حدث.. لا تصدق ما فعله حتى تسامحه، مالك! سبب عذابها بالماضى و فرحتها وسعادتها بالحاضر.
لم تصدق متى جاء لغرفتها وفعل كل هذا بها.. تذكرت ما حدث للمرة التى لا تعلمها، ما حدث بعد عودتها للمنزل صاعدة غرفتها بغضب من بروده.
*****
أغلقت الباب بقوة ثم دلفت وجلست على طرف الفراش بغضب ضمت قبضتيها بجانبها فوق الملاءة و هزت ركبتيها بقوة لأعلى وأسفل دليل على غضبها.. ولم تكلف ذاتها لإضاءة الغرفة مكتفية بتسلل خيط رفيع من ضوء القمر من بين شرفتها المفتوحة و النافذة الشبه مغلقة.. دقيقتين وإلتفت تلتقط مخدة صغيرة تدفن وجهها بها تخرج بها صرختها بغيظ وتقضمها بأسنانها تتمنى أن يكون هو مكانها.. تنفست بقوة حتى هدأت قليلاً واقفه تتجه الى الحمام حتى تأخذ حمام دافئ يزيل غضبها قليلاً و يهدأ أعصابها.
*****
خرجت من الحمام وهى تربط طرف الجديلة المنقسمة على كتفيها بالتساوى دون إفلات خصلة واحدة.. وارتدت بنطال مريح يصل إلى بعد ركبتيها و قميص قطنى بدون أكمام يظهر بشرتها البرونزية الساحرة، وعندما إقتربت من الفراش وهى تزفر بـ بعض الراحة ولكن هربت منها شهقة ضاعت بين كفه الذى كمم به فمها و ذراعه الأخر يلفه حول خصرها يثبتها به، أغمضت عيناها تهدأ من نفسها ويدها تمسك كفها فوق ثغرها و الأخرى تربت فوق قلبها تهدأ من ضرباتها الذعره عندما تعرفت عليه ومن غيره الذى سيقتلها يوماً إما كمداً من الغيظ والغضب.. أو بأزمة قلبية بسبب مفاجئته.
_ هششش… خلاص إهدي .
ضربته بمرفقها فى جانبه فـ إبتعد متأوهاً و يمسد جانبه بـ كفه هاتفا: براحه يا ماما أنتى بنت.
أغظها حديثه أكثر و رؤيته الأن أيقظت غضبها من جديد دفعته بكفيها تسببت بوقوعه فوق السجادة الناعمة على الأرض وتخطته حتى ذهبت إلى مقبص النور بجوار الباب وأضاءته وعندما التفت له بتأهب حتى تفرغ غضبها إتسعت حدقتاها بدهشه من تغير ديكور غرفتها جذرياً.. أين ذهبت الكور والألعاب التى كانت تفعلها و بعض صور لاعبين المفضلين له.
فـ الغرفة تحولت لغرفة فتاة حالمة وليست لاعبة كرة قدم.. كان هناك صور كثيرة معلقة مكان الصور القديمة ولكن لهما.. تلك اللحظات التى قضوها معاً منذ صغرهم حتى الشباب ولكن أين وجدهم؟. هى متأكدة أنها مازلت تحتفظ بهم بسرية داخل صندوقها الفضى داخل خزانتها بزاوية لا يعلمها غيرها .. تقدمت لمنتصف غرفتها تتأملها تدور حول نفسها تشاهد مدهوشه بما حولها وعندما تقابل نهرى العسل الصافى مع الشمس المتوهجة أصهرته خاضعاً لها دون حديث ناسياً ثورته وغضبه السابق.
اعتدل بوقفته مقترباً منها قاطعاً الخطوات بينهم وهو مازال يحبس عسليتها بين دفئ شمسه هامساً بـ صوته الرجولى المغوى الذى ينسيها كل ما حولها جعلها تخضع له كما يريد: آسف يا هنا قلبي، آسف يا هنايا، أنتى عرفانى ببقى زى التور لما بغير أو أتعصب.
دمعت عيناها وهى تبتسم له وتضربه بـ خفه بقبضتها فوق صدره هامسه: طيب والتور نعمل معاه إيه عشان معدش يغلط.
حاوط خصرها يقرصها به ولصقها بجسده العضلى والرجولى يجاريها بالحديث بمكره المشهور به: تبوسيه..
إتسعت حدقتاها وهى تنظر له و إبتسامتها تتسع رفعت ذراعيها تحاوط رقبته من الخلف تخلل أنمالها بشعره الطويل الناعم جاعلة حالة من الإنتشاء والإسترخاء تتملكه، هامسه بإغواء ليس بوقته أو محله.. ناسيه أنها كانت تتمنى أن تقتله منذ قليل: بجد!.
أومأ برأسه وهو يقترب من وجهها حتى تلامست أطراف أنوفهم مستمتعاً بدغدغة أنمالها بين خصلاته الشقراء غافلاً عن مكر حواء الذى لمع بعمق عينيها: أه والله زى ما بقولك كده.. أول ما تلقينى هتحول تبوسينى على طول بدل ما هبقى توور.. هبقى حملك الوديع.
وعندما ظن أنها استسلمت له خاضعه لـ سحره و إغواءه واقترب من ثغرها يقتنص منها قبلة تسد جوعه إليها وتصبره حتى يوم زواجه المنحوس الذى لا يريد القدوم.. تفاجئ بها وهى تدفعه بقوة واقعاً فوق السجادة الناعمة مره أخرى وبعدها إنطلق صياحها بإسم أخيها فاااااارس.. الذى إندفع داخل الغرفة بعد ندائها بـ دقيقتين نظراً لقرب غرفته قائلاً بفزع: مَالك يا هنا؟..
_ شوفت يا أبيه فارس.. مالك بيعمل ايه فى أوضتى.
قالتها وهى تمثل البكاء و تشاور عليه ثم إندفعت تحتضن أخيها وتنهنه.. لم يكن يعرف هذا الجانب منها، تنتقم منه بعد أن فعل كل هذا لها.. لا يصدق.. إعتدل وهو ينظر لها بإستنكار مفاجئ ثم هتف ببلاهه لفارس الذى لف ذراعيه حولها بتلقائية وهو ينظر له نظرات لم يفهمها: هنا مراتى فين؟!. هنايا فين؟!..
كتم فارس ضحكته ثم أجابه وهو يشاور عليها وهى داخل أحضانه ويمثل الشفقه عليه: هى دى هنا.. أحلف لك.
_ لا أنتو بدلتوها هنا مش كده.. هنا قلبى مستحيل تبقى زى بنات حوا..
صدحت ضحكات فارس عالياً وهو ينظر لوجه مالك الذى مال للإصفرار من المفاجأة فـ هو لم يقابل شخصية "هنا" الماكره يوماً كل ما كانت تظهره له هو وجه الخاضعه والمأته عشقاً به و المسامحة ولكن لن يلومها إن شهد هو ما حدث بينهم من تنازل وتسامح أخته و غباء و تهور منه، هو علم أنها لا تقول الصدق عند نطقها لقبه " أبيه " فهى لا تنتطقه إلا إذا كان هناك مصيبه تخطط لها.
_ اختك عندك يا فارس.
_ طبيعى تبقى عندى ولا عندك اعتراض.
_ عندك لأخر الأسبوع وبعدها هرد أنا على حركتها دى.
أنهى حديثه وهو يحرك يديه بالهواء و يتجه إلى الشرفة مكان ما دخل ولكن قبل أن تخطو قدمه لداخل إلتف يتجه إلى باب الغرفة يغادر وهو يقول: ومش هخرج إلا من قدام أبوكى عشان أجيب أخره وأنا بتلكك .
وغادر الغرفة تحت أمنيتها بأن يكون والدها بغرفته حتى لا يراه وتحقق أمنيتها عندما غادر دون مشاداه مع ابيها كـ عادتهم.. رفعت نظرها إلى فارس الذى يقف يتابعها بتأهب و نظرات ضيقه تخترقها جعلتها تهتف وهى تركض وتصعد على الفراش وتختبئ تحت الغطاء بالكامل: عشان يتربى ومعدش يتسرع فى حكمه ويعرف إن معدتش هسامحه بسهوله.
رفعت الغطاء عن وجهها مما شعث بعض شعراتها قائلة بعيون متسعة: بس أنت إزاى متضربوش وأنت شايفة فى أوضة أختك.
رفع حاجبه الأيسر وهو يتابعها قليلاً بغموض ثم هتف وهو يتجه إلى الخارج: نامى يا هنا وعدى الليله عشان لو هضرب هيبقى أنتو الإتنين و مش هيبقى فى فرح لا بعد أسبوع ولا بعد سنة.
إرتمت بظهرها فوق الفراش مره أخرى وظلت تتطلع إلى السقف وتبتسم ببلاهه كلما تذكرت فعلته و تتأمل صورهم فوق الحائط حولها.
*****
فاقت من ذكرياتها وهى تتنهد بحالمية وبعدها وقفت إستعداداً لتنفيذ روتينها الصباحى حتى تغادر إلى الفيلا التى تشرف على تغير الديكور بها.
***************
قصر سائر الشهاوى.
بغرفة السفرة.
ترأس السفرة "سائر" كعادته و على يمينه "كارلا" التى كانت تميل بجسدها ناحيته و حمرا وجهها لا تخفى على الأخرين بسبب همس سائر لها، تحركة غيرة "مالك" ناحيتها كعادته فهتف وهو يقف مقترب منهم حاشراً رأيه بين رؤسهم هامساً كـ أنهم يتحدثون بسر خطير بين ثلاثتهم: عيب عليك يا بوص.. دى الحاجة تبقى أمى.. الكلام ده يبقى مش قدامنا.
إرتدت كارلا للخلف بقوة من المفاجئة إنما سائر الذى لم يتمالك نفسه وهو يرفع يده وينزلها فوق عنق "مالك" من الخلف بقوة ( قفاه) ساباً إياه هاتفاً بغيظ: وأنت حاشر نفسك بينا ليه.. عيب كده.
اعتدل مالك بوقفته وهو يمسد ( قفاه) وملامحه تعبس بضيق بسبب قوة الضربة هتف وهو ينظر إلى كارلا التى إنطلقت ضحكتها دون أن تستطيع السيطرة عليها: عجبك عمايل جوزك دى.
_ جداًااا.. حبيبي يعمل إلا هو عاوزه.
أجابته من بين ضحكتها و تمسد بكفها فوق كف سائر المستريح إمامه فوق السفرة.. و ضحكات لارى لا تتوقف أيضاً بسبب متابعتها ما حدث منذ البداية أما " رئف " فكان بعالم أخر يجلس معهم بجسده أم عقله بمكان أخر ولم يشعر به إلا شهد التى كانت تضحك وخفتت ضحكتها بـ بطئ عند مشاهدة شروده.
_ طييب، أهوووه.
هتفها " مالك " وهو يلتف من الجهه الأخرى لـ كارلا محتضنها بقوة و مقبلها عدة قبل فوق وجنتيها ورأسها و كفها مغيظً سائر الذى يحرم عليهم فعلها إلا بالمناسبات الخاصة جداً، ثم هرول ساحباً مفاتيحه و متعلقاته من فوق السفرة هارباً قبل أن يمسكه هاتفاً بصوت عالى: عشان تبقى تضربنى يا بوص.
غادر تحت سباب سائر له و التوعد له بينما تعالت ضحكات كارلا و لاريمار مره أخرى حتى غاص حلقها وبدأت تسعل فناولها سائر كوب ماء مربتاً فوق ظهرها بخفة وهو يهدأ إياها بكلماته.
وقفت شهد وهى تأخذ هاتفها و المفاتيح من أمامها ثم نظرت إلى أبيها قائلة وإبتسامة لا تغادر محياها: طيب يا بوص أروح أنا شغلى.. مش عاوزين حاجة.
أومأ برأسه بـ إبتسامة يخصها بها دائماً مودعاً إياها و كارلا تردد كعادتها بحفظها وعودتها سالمة.. إلتفت تنظر لـ رئف تخرجه من شروده قائلة: رئف.. رئووف، يلا عشان توصلنى بسكتك لان ماليش مزاج أسوق.
رمش رئف بأهدابه عدة مرات ينفض أفكاره المتزاحمة وإكتفى بـ تحريك رأسه بموافقة واقفاً يتجه إلى أبويه يقبل رأسهم كعادته منذ الصغر فـ ما كان يميزه بأنه هادئ الطباع دائماً و الوحيد كما يقول محمود و " مالك " ما له تصريح الإقتراب لـ كارلا وتقبيلها.. ثم إستئذن مغادراً بهدوء أمام شهد.
ودعهم دعاء كارلا لهم حتى إختفوا من أمام نظرها إلتفت وهى تنظر لـ سائر الذى كان قطع قطعة من الجبن القريش و طماطم و فلفل و زيت الزيتون كما تحبها و وضعها بقطعه من العيش الأسمر الصحى و رفعها أمام ثغرها حتى تتناولها.. تناولتها من يده وإبتسامة عاشقه تخصه لا تغادرها بتلك العادة التى لم يتخلى عنها مع مرور الزمن سمعته يهتف: محمود و تولين لسه مصحوش.
حمحمت وهى تلوك الطعام بفمها هاتفه بإبتسامة فهمها وهى تحرك رأسها بالنفى: هم مرجعوش من إمبارح.
أومأ متفهماً وهو يبادلها الإبتسامة ثم رفعه قطعة أخرى من العيش والجبن يدسها داخل فمها قبل أن تبتلع القديمة.. جعلها تتسع عينيها وهى تنظر له وتحاول منعه ولكن لم تستطع الحديث وإكتفت بالمشاورة وتحريك رأسها بالنفى.
****************
بـ سيارة رئف.
أدار المقود حتى يخرج من المجمع منطلقاً بين زحام القاهرة والصمت والشرود هو ما يسيطر عليه غير منتبه لـ شهد التى إستندت بظهرها فوق باب السيارة المجاور و تضع قبضتها أسفل ذقنها و تستند بمرفقها فوق ذراعها الأخر تتأمله بـ إبتسامة ماكرة ولم تتأخر بظهور مكرها عندما هتفت بـ نبره يشوبها الحسرة المصطنعة: وكلمتها بعدها ولا صدرت ليها وشك القفل.
أجابها وهو غير منتبه لستدراجها: لا و زمانها زعلانه ومعيطه.
_ غلطان استنى أنا هكلمها و أخليها تسامحك.
هتفت وهى تلتقط هاتفها وكأنها تعرف صدقاً من يقصد و ستحدثها، جعلته ينتفض بمجلسه وهو يلتقط الهاتف من يدها وإستفاق من شروده، هدأ من سرعة السيارة عندما اقترب من إشارة المرور حتى أوقفها ثم إلتفت ينظر لها بحدقتى متسعه قائلاً: أنتى عرفتى.. عليه العوض البت كده اتفضحت.
ابتسمت بلؤم وهى تكمل خطتها لتستخرج منه اسم تلك الفتاة المعجزة سارقة قلب الحنون والعاقل بينهم هتفت بـ ابتسامة ماكرة: حرااام.. ما أنا لو عاوزه افضحها مكنتش اتكلمت معاك.. إخص عليك تظن كده فى أختك الكبيرة.
وكعادته يقع لها دائماً دون أن يشعر بمكرها أو خداعها غير متعلم الدرس من المرة السابقة هتف بسخرية وهو يشغل السيارة بعد أن فتحت الاشارة متحركاً بها للأمام ثم إنعطف: لا إسم الله عليكى، أنتى مافيش عندك خبر بايت خالص.. كله على الفضائية بدون فواصل.
كبحت ضحكتها وهى تعتدل بجلستها تنظر أمامها هاتفه بحزن زائف: مكنتش أتوقع أنك تفكر فى أختك الكبيرة كدة، يا خسارة أنا كنت أتوقع مالك أو محمود لكن… أنت يا رئف تفكر فيا كده، تؤ تؤ تؤ.
_ شهد عشان خاطرى كله إلا كارما.
قالها ولم ينتبه إلى وجهه الذى تحول عند وقوعه بشركها و إخراج إسم حبيبته دون أن يعلم.. فلو كان شاهد وجهها لعلم أنه أخطأ و هى لم تكن تعلم.. سيطرت على رد فعلها سريعاً هاتفه بخفوت تتأكد من ظنونها بأنها كارما خاصتهم لا غيرها: طيب و" هنا " عارفة.
إبتسم بحنان يخص رفيقته و توأمه الروحى فـ هى الوحيدة القريبة منه منذ الصغر و هتف: أكيد بصراحة هى إلا بتشجعنى أتقدم لها ونعمل خطوبة صغيرة و نتجوز براحتنا.. بس أبقى ملكتها زى ما بتقول.
إرتد بجلستها مأخُذه بالمفاجئة إذاً هى " كارما حربى" شقيقة زوجها المستقبلى لا غيرها.. تلك الصغيرة التى تشبه الدمية بشعرها الفوضوى وبرائتها و رقتها.. لم تشعر بـ رئف الذى أوقف السيارة أمام المبنى التى تعمل به وإلتفت لها بإبتسامته التى لم تغادر محياه ولكن إندثرت عند رؤية ملامحها عالماً بما فعلته به وهو وقع بلسانه كالعادة معها.. هى فقط من تظهره مغفلاً بحق دون جهد منها، ولكن لن يسامحها و لن يصمت لها بعد الأن، لم يعد هو طفلاً أو مراهقاً أخته تستدرجه لتعلم ما تريده ثم تعطيه لعبته المفضلة أو لوح شكولاته فاخر.. ضرب فوق المقود بعدم سيطرة وغضب تراه به لأول مرة صائحاً: أنتى إيه؟ غرورك ده مش هيخلص شيفانى عيل قدامك عشان تعملى كده..
رمشت بأهدابها تنفض مفاجئتها وصدمتها وتنظر له ببلاهه من رد فعله التى يقابلها به لأول مرة فكادت تصيح به لتعلمه أنه يهاتف شقيقته الكبرى ولكن قاطعها قائلاً وهو يشعل سيارته مرة أخرى إستعداداً لإنطلاقه دون سماع حرف منها قائلاً ببرود و ملامح غاضبه: إتفضلى إنزلى.. ولأول مرة هقولهالك يا شهد، لو عرفت إن حد عرف وهى إتأذت صدقينى هتتفجئى من إلا ممكن أعمله، وإتفضلى لأنى إتأخرت.
ترجلت من السيارة ومازلت الصدمة حليفتها من وجهه رئف الذى لأول مرة تقابله.. ولكن الغبى هى لا تعترض على حبه لها ولا تعتقد أن أحد سيرفض إرتباطه بها، ولكن عليها تأديبه وقرص أذنه لصياحه عليها وبعدها سوف تساعده حتى يهنئ باله هو الأخر وتعم الراحة لأسرتها واستقرارها.. تحركت لتدخل إلى المقر وعندما صعدت عدة الدرجات و تخطت العسكرى رفع يده بتحيه عسكرية يؤديها كلما مر من أمامه رتبه أعلى منه، أومأت له بملامح صلبه و وجهها الجامد الذى يظهر بأوقت عملها فقط وجديتها التى يهابها الجميع.
***************
ظلت تنظر إلى الهاتف دون أن يرف لها جفن و عيونها الحمراء المنتفخة و أنفها و وجهها الإحمر من كثرة البكاء.. مر بعقلها لما يحدث معها هكذا فـ هو لم يحدثها منذ الأمس و يتجاهلها لقد ظنت أنها فعلت شئ ضايقه ولكن لم تفعل أى شئ، هو إنقلب بعد أن همست له كلمة واحدة وهى ( عقبالنا ) إذا تلك هى العلة.. لا يريد أن يتزوجها لما لم تفهم من البداية أنها صغيرة عليه هو يريد أنثى من جيله تشابهه ولكن هى المندفعة التى إعترفت له أولاً وكل خطوة كانت هى البداية.. إتسعت حدقتاها بصدمة وخوف مما توصلت له من فكر جهنمى كشف من منظورها سبب تجاهله لها بأنها كان يسايرها شفقة لانها قريبته.. غاص حلقها و إنهمرت الدموع التى لم تجف منذ الأمس و تعالت شهقتها بقوة مما صارت تتخيله مع أخرى أكبر وأنضج و هو يعترف لها بحبه و يحتضنها و ينظر لها وهى تضع الحلوى بفمها كـ طفلة صغيرة لم تتعدى العاشرة من عمرها.. لم تنتبه بأن بكاءها زاد و شهقاتها تعلو حتى سمعتها والدتها وهى تمر من جوار غرفتها.
إندفعت هدير بقلق داخل غرفة صغيرتها كارما و هرولت لها تحتضنها وهى مازالت تفترش السرير الذى يشبه سرير الباربى كما غرفتها كلها.. بدأت تربت على ظهرها و تهدأ بالكلمات تحاول أن تفهم ما يحدث معها ولكن كل ما قابلها هو زيادة إنهيارها وتشدد ذراعيها حولها.
مرت نصف ساعة وهى تربت فوق خصلاتها المموجة الناعمة و تحرك كفها الأخر صعوداً وهبوطاً فوق ظهرها حتى بدأت تهدأ قليلاً مسيطرة على بكائها سمعتها تهتف بتوهان: بيحبينى شفقة يا مامى، عاوز يجوز واحدة كبيرة و ناضجة عنى.
تصلب جسد هدير من كلمات صغيرتها التى متأكدة بأنها خرجت منها بغير وعى، توقفت يداها عن الحركة و أمسكتها من كتفيها تبعدها عنها حتى تنظر لعينيها لترى بهم المزاح او أى شئ غير ما تراه الأن وصدمها صغيرتها عاشقة حتى النخاع، أهى كانت من الإهمال و البعد عن بناتها هكذا حتى لم تعشر بهم أو تنتبه أنهم يقعون بسراب العشق دون أن تشعر.. فـ هى تحمد الله أن " هنا" كانت من القوة والصلابة التى جعلتها تتجه إلى لعب الكرة حتى لا تنغمس داخل عشقها الطفولى (ولكن لم تنتبه بأنها دلفت هذا المجال من أجله)، حاولت إحضار تمدنها و عقلها حتى لا تضربها كفً يخرجها من هذيانها و تخرج تلك الأم العنيفه فـ بالنهاية الخطأ بإهمالها وعدم مصاحبتهن إستنشقت الهواء وزفرته وهى تهتف بهدوء: هو مين؟!.. وبيحبك شفقة إزاى.
رفعت كارما عيناها تنظر لـ هدير بـ رؤية مشوشة هاتفه وتلك الغيمة السوداء تبتلعها بقوة بسبب عدم نومها و بكاءها منذ الأمس همست: رئف.
إستسلمت للغيمة وإرتخى جسدها للخلف نائمة تحت صدمة هدير التى إتسعت حدقتاها وكاد بؤبؤى عيناها يخرج من محجريهما من الصدمة التى شلت تفكيرها و جعل جملة واحدة تتردد بعقلها ( لما أولادها و أولاد كارلا).
***************
رمش بأهدابه يحاول فتح عينيه بعد ليلتهم التى نالها بها دون تدخل أختها بينهم قاطعه لحظاتهم منذ عودتهم، شدد عليها داخل أحضانه بعشقً وإشتياق لها حتى لو بجواره، هى التى يهفو قلبه إليها مرفرفاً بجناحيه يملئ ذلك الفراغ و يملئ قلبه بالعشق الصافى و الإمتنان لله أن ناله بعد أن قرر الصوم عن جنس حواء حتى يرزقه الله حلاله فـ أحسن صوره.
لم يكن يتوقع يوماً تكون شقه الذى خلق من ضلعه الأعوج يكون بقارة أخرى.. فهذا هو القدر و النصيب ما له بيد او تدخل أخر.. كلاً خلق لنصف لا تستطيع إستبداله حتى ولو فشل مرة أو إثنان، ستصل له لا محال.
عبث بأنماله بين خصلاتها التى طالت قليلاً وكادت تقصها مره أخرى ولكن منعها هو، تململت بضيق وحاولت تحريك يدها لإبعاد تلك اليد التى تقلق نومتها ولكن وجدت ذراعيها منحسران بين جسديهما، واليد تزداد بعبثها بخصلاتها و وجهها، إنطلقت ضحكاتها الخشنه تهفو داخل الجناح عندما وصلت أنماله لـ نحرها نزولاً لـ جانبها العارى بسبب جموحهم ليلة أمس منتهى بهم داخل أحضان بعضهم عارين الجسد ومكسو الروح بين يدى نصفها الأخر، مدغدغاً إياها ومضيعاً النعاس من قهوتها التى إشتاق النظر بداخلها فـ هو إكتشف بعد زواجه أن عينيها كانت زجاجية بسبب تلك العدسات اللاصقه الطبية التى ترتديها لضعف نظرها و إخفاء مشاعرها عن الجميع.. تلك العيون الزجاجية الباردة كانت تخفى خلفها دفئ العالم أجمع بـ نقطتى قهوة وسط غيمة بيضاء ناصعة تلمع و تتوهج عند رؤيته .
توقفت أنامله وهو يهمس بعبث و خضروتيه تنغمس بين قهوتها أسرة إياها بلقاء لا يمل منه أبداً: مخبيه عنى إيه تانى يا بنت الحديدى، إسمك و بعدها عينك، خايف أتفاجأ بحاجة متوقعهاش.
ضمت شفتيها بين أسنانها تكتم ضحكتها بعد تذكرها وجهه و هو ينظر لها وهى تزيل العدسات بعد دلوفهم جناحهم بـ مكة المكرمة ثم رسمت بكل مهاره ملامح تحمل الخوف والترقب والتوتر وكأنها ستخبره سرها الأذلى الذى سيصيبه بذبحة صدرية بعز شبابه متأتأه وكأنها تخشى خروجه هامسه وهى تنزل أهدابها تنظر بعيداً عن عينيه هامسه: هو…. فى سوء تفاهم مش سر.
إعتدل يرفع جانبه يسند بمرفقه و يفرد كفه أسفل رأسه و يشرف عليها بجزعه العارى الذى تكاد تنط منه عضلاته الساحرة ويتابع بلعبتها و يرسم ملامح مصدومة قائلاً و ذراعه الأخر يعاكس ملامحه وهو يقربها منه أكثر يلصق جسدهما العارين أسفل الغطاء الأبيض المخملى: قولى يا بنت الحديدى خبيتى عليا إيه أنا عارف إن أجلى على إيدك، قولى إن شاء الله.
إهتزت عضلة بجانب فمها تنذر بضحكة كادت تفلت منها ولكن سيطرت عليها وهى تنظر داخل عينيه تهمس بصوت به دلع ممتزج بخشونتها الطبيعية وتقرب عينيها من عينيه: عينى.
_ مالها!..
أجابها وهو يومئ برأسه منجذباً لها وهو ينخفض برأسه لها دون إرادته مسحوراً بتلك النغمة مأسوراً بقهوتها وكأنها فعلت له سحراً أسود و رمته بالبحر حتى لا يجده أحد ويفكه ويبعد سحرها الذى يربط قلبيهما لو أصاب أحدهما يشعر الأخر.
_ بشوف بيها كويس، أنت إلا قلت إن نظرى ضعيف.
_ وحياة الوالدة.. وسيبانى من يومها أقول إن اتدبست وخلاص.
_ الله يا حووودة مش أنت إلا إتسرعت و قولتلى إن نظرى ضعيف.
_ تصدقى صح.
هتفها وهو يحرك رأسه بخنوع واقتناع مضحك بعد سماعها تهتف بدلاله وتمط حروفه بغنج تعلم أنه يؤثر عليه، إبتسمت بإنتصار يغزيه بثقتها فى أنوثها بتأثيرها عليه ولكن إندثرت سريعاً و هى تراه يعدلها على ظهرها ويشرف عليها بجسده قائلاً: بس مايمنعش بردوا إن فى عقاب وأخد حق، وأنا أكتر واحد بيعرف ياخد حقه.
إنخفض يلتقط ثغرها بقبلة شغوفه وينهل من شهدهما وكأنه يرتوى بعد عيشه بـ صحراء جرداء لم يذق بها قطرة ماء، بادلته هى شغفه بها بشغف مماثل فـ هى وجدت به العائلة والعشق التى كانت تقرأه بالكتب و تسمع عنه من أصدقاءها.. وما العائلة إلا الإحتواء والأمان و السكن.
***************
يتبع……
***************
تعليقات
إرسال تعليق