الفصل التاسع عشر






_ هى مش ناوية تصحى.


قالها مالك وهو يتململ فى جلسته فـ الساعه الان تعدت الثالثة عصراً و مازال لم يغادر لن يهدأ له بال الا اذا حفر داخل رأسها انها زوجته هو لا غيره وتأكده انها لن تختلط بـ رأف مره اخرى… تابعه خالد الذى لم يتحرك من امامه ولو لـ ثانية تأكد الان من عشق مالك لـ ابنته ولم يندم على موافقته… قرر فك حظر ابنته التى فرضته على نفسها منذ الصباح فـ هو لمحها وهو يتوجه الى غرفة السفرة واقفه و واضعه كفها على صدرها تهدأه… رفع يده ينظر الى ساعة يده الثمينه ثم نظر الى هدير قائلاً.: انا عندى معاد مهم… لازم امشى مش هتأخر…


نقل نظراته الى مالك متابعاً.: مافيش وراك شغل… هنا مش هطير.


اجابه مالك بـ اصرار على نيته فى مقابلتها.: لا انا عامل حسابى هنقضى اليوم سوا وبنتك ضربت نصه… اكيد هتصحى دلوقتى هستناها… متقلقش يا انكل انا زوجها.


اخفى خالد شبح ابتسامته ثم انحنى قبل رأس هدير مودعاً اياها وانه لن يتأخر ثم غادر… هو يعلم زوجته لن تصبر اكثر وسوف تصعد الى غرفة ابنتها كى تنهى لهفة مالك لها وانتظاره… وصدق حدسه عندما خطى اولى خطواته بـ اتجاه سيارته… كانت هدير تستأذن من مالك صاعده الدرج.


******************


قصر الشهاوى.


التفوا حول سفرة الطعام يترأسها سائر وعلى يمينه كارلا التى تحاول ان تلتقت عينيه حتى تفهم ما به ولكن كان يهرب من نظراتها لا يعرف رد فعلها على بنات ساره… يعلم انها لها كامل الحق بـ التصرف ان لم تشعر بـ الراحه بـ وجودهم ولكن بـ التأكيد لن يتخلى عنهم حتى يشعر بـ الامان عليهم.


وضع " جى_سو" الطاجن الكبير بـ منتصف السفرة وهو يهتف بـ مرح.: هيا… اريد رأيكم بـ طعامى. 


كان طاجن مصنوع من الفخار داخله مكرونه بـ الصوص الابيض وصدور الدجاج و الجبن المشكل… شكله ورائحته اودت بـ عقولهم وضاعت افكارهم و ظهرت الغريزه الانسانيه بـ الجوع… 



تناولوا طعامهم بـ شهيه كبيرة وتبادل النظرات الجانبية الغاضبة بين محمود و ماريا و أيضاً نظرات مرح بين رأف و "جى_سو" وقلق من سائر... حتى انهوا ما حضره "جى_سو" و وقف سائر بعد ان مسح فمه بـ المنديل القماشى الفاخر قائلاً وهو ينظر الى كارلا.: يلا يا حبيبتى عشان نروح عند شذا.


تركت المنديل أيضاً ثم وقفت موافقة اياه واتبعهم الجميع حتى يذهبوا هم أيضاً كى يروا مشاكستهم الصغيره… اشتاقوا اليها كثيراً.


**************


_ بااااااابى… I miss you.


صاحت بها شذا وهى تنزل الدرج مهرولة الى حضن ابيها… لا تنكر انها كانت تعيش بعيداً عنهم بـ فترة دراستها ولكن عندما كتبت على اسم زيد و صار مكانها غير بيت والدها… افتقدتهم كثيراً و افتقدت مشاكستهم ومقالبهم.


_ طب وانا… نسيتينى خلاص.


قالتها كارلا بـ ضيق وحزن مفتعل… جعلت شذا تبتعد عن حضن ابيها الدافئ والامن وتتجه الى حضن الحنان والاحتواء بـ جوار دقات قلب والدتها… فرت دمعه واحده من عين كارلا… سيطرت عليها سريعاً واخفتها عن عينهم الا عينه التى لم تغفل عنها و لو لـ ثانية واحدة.


ظلت جالسه بـ احضان كارلا بينها وبين سائر وتخرج لسانه بين حين واخر الى اخواتها… حتى انتفضت شهد واقفه متجه اليها تحاول سحبها من بينهم بـ غيرة وسط ضحكاتهم جميعاً على تصرفاتهن الطفولية وغيرتهن الواضحه… زاد تشبث شذا بـ كارلا مما جعل شهد تجلس فوقها محتضنه امها هى الاخرى.


_ حرااام عليكى انا عايزها سليمة… انا لسه ما دخلتش دنيا.


قالها زيد بـ مسكنه وهو يحاول الوقوف لـ كى ينقذ معشوقته قبل ان تنهى حياتها اسفلها… ولكن عندما جذبها وجد الاحمرار يغزوا وجنتيها من الخجل… اتسعت عيناه عندما عندما سمع حديث سائر وهو يقف.: يلا يا شذوتى انا رجعت فى كلامى… ومش هجوزك. 


اتسعت عيناها بـ مكر… متابعه حديث ابيها بـ سعاده و ضحكة كبيرة قائلة.: ثوانى واكون قدامك هجيب شنطتى لسه زي ما هى.


تعالت ضحكات الجميع عندما هرولت منفذة حديثها ولكن كان زيد.يقفز وراءه على قدم واحده مستنداً على عكازه لحقاً بها الى جناحهم الخاص متوعداً لها وانها لن تغادر الجناح بعد الان الا وهى زوجته… غافلاً عن الضحكات التى تتبعته بـ وهو يشبه المهرج بـ حركته السريعه العرجاء.


*****************


_ افهم بقى… اخرتك ايه؟.


قالها مالك بـ هدوء مفتعل وهو يجلس مواجهاً هنا بـ غرفة الاستقبال الحديثه استغل خروج هدير من الغرفة مغلقً الباب خلفها حتى لا تستطيع الفرار منه… ظلت تنظر الى كل شئ حولها الى هو ولا تجيبه… انتفض واقفاً طوى خطواته مقترباً منها جالساً امامها فوق الطاولة الزجاجية محاصراً اياها بين رجليه ضغطً فوق حروفه بـ نفاذ صبر منها قائلاً.: انتى عايزه توصلى لـ ايه؟… انتى عمرك ما حبيتى غيرى… ليه بتدخلى اخويا فى النص… ليه تلعبى فى مشاعره… انطقى.


اغمضت عينيها تخفى انتفاضتها داخل صدرها قبل الظهور امامه… هى بدأت الطريق وسوف تنهيه… هو لها وهى له… هى خلقت منه وستظل نصفه الاخر… ولكن يجب اولاً ان يعترف بـ حبها… ينتهى شكه بـ مقدار عشقها له… ثقته بها ان لا يكون لها نهاية….


_ اتجوزتنى ليه!..


سألته بـ برود وهى تنظر الى عمق عينيه التى تحول لونها الى اللون الذهبى المشمس فى سماء صفية… 


_ دى مش اجابة لـ….


اجابها متهربا من اجابة سؤالها الذى لا يعرف اجابته الى الان او يعرفها وينكرها… ولكن قاطعته قبل ان يكمل حديثه بوضع كف يدها على فمه… ناظره الى عينيه تتحداه ان ينكر ما سـ تقوله.: مالك انت بتحبنى!.


ظل يتأمل عينيها و ملامحها الأسِره ولم ينطق بـ حرف واحد يخمد ثورات قلبها… كما هو لن يتغير وهى خير من يعرفه ولكن لن تكون هنا الحربي ان لم تغيره وتجعله يهتف بـ حبها امام الجميع… هذا وعداً لـ نفسها ولن تتخلى عنه…


سحبت يدها من على فمه قائلة منهيه الحديث وهى تقف.: لما تلاقى اجابة لـ سؤالى… ساعتها بس ممكن اجوبك… حالياً كل الا هقولهولك… الا بينى وبين رأف عمره ما ينتهى… حتى لو انت الا هتأمرنى بـ كدا… عن اذنك عشان عندنا معاد مع مهندس الديكور والسمسار.


حاولت ان تتخطيه ولكن وقعت بين احضانه بسبب ضربه بـ ساقه بـ ركبتها مسبباً عدم توازنها… منهياً حديثها الذى يزيد من غضبه وحنقه… سارقاً عذرية شفتيها بـ انفاساً متلاحقه… منتقماً منها من حديثها وافعالها ولكن لم يستمر كثيراً عندما ذاب هو بـ طعم الفراولة بسبب الحمره التى كانت تضعها متمنياً عدم انتهاء تلك اللحظه مدى الحياة…


ذابت هى وانهارت حصونها وهى تجرب ذلك الشغف ولـ اول مره بـ حياتها… لم تشعر بـ شئ اخر حولهم اخمدت افكارها و عقلها امام سطوت قلبها و مشاعرها المتلهفه له. 


ابتعد عنها بـ ضيق يلهث بـ انفاسه يشاركها انفاسها اللهثه بـ سبب قبلته… لم يعرف متى جلس على الاريكه وابتعد عن الطاولة محاوطاً ايها بـ الزاوية اسفله… اسند جبينه على جبينها قائلاً بـ صوت متحشرج متملك: انسى اى حاجة اتفقتى عليها مع رأف… انتى ليا ملكى … 


فاقت من غفلة مشاعرها دافعه اياه بـ قوة ناهره نفسها قبله على استسلامها المخزى تحت سطوته واقفه بـ ترنح مازل اثار سكر قبلته… قائلة وهى تتجه مسرعه خارج الغرفة صاعده الى غرفتها تحتمى بها منه.: انسى يا مالك انى استسلم ليك… و رأف مستحيل هفض الشراكه والعلاقة الا بينا عشانك.


تركته ولم تسمع منه حرف اخر… تركته يلعن ويسب نفسه بـ الفاظ نابية… متوعداً لها ولـ اخيه رأف.


***************


تلألأ النجوم بعدما اسدل الليل ستاره مخفى بـ داخل عتمته قلوب فاض بها العشق و زاد عذابها على ايد معشوقها…


جلست كارلا بـ الحديقة تتأمل السماء بـ مفردها وتفكر بـ حيات اطفالها القادمة بعد ان عادت من الخارج… لقد ظلوا باقى اليوم وسط مشاكسات زيد و شذا ونقير ابنائها …التأمل والتفكير بـ ذهن صافى... تلك عادتها عندما يكون سائر مشغول بـ مكتبه و اطفالها كلاً بـ حياته… تجلس بـ الحديقة وتتأمل القمر والنجوم حوله.


اقتربت منها بـ تردد ولم تعرف أ هى سوف تفعل الصواب ام الخطأ… ولكن فكرت ان امً مثلها لا تستحق ان يخفى عنها شئ او يقتحم حياتها شئ يعكر صفوها… وقفت بـ جوارها قائلة بـ خفوت حرج.: ممكن اقعد مع حضرتك.


فاقت كارلا من افكارها رافعه رأسها اليها مبتسمة بـ ودًّ قائلة وهى تشير على الكرسى بـ جوارها.: اكيد يا ماريا… اتفضلى انتى زى شهد وشذا.


جلست ماريا وهى تفرك يدها بـ توتر لما كل تلك الطيبة التى تمتلكها رغم ما علمته عنها… رفعت عينيها بـ ثبات واهى قائلة.: انا اسفة.


تجعد حاجبيها معتدلة بـ جلستها تتابعها بـ اهتمام تحاول استيعاب حديثها قائلة.: على ايه؟… 


ضغط ماريا على شفتيها تستجمع قوتها الواهيه امامها قائلة بـ ثبات.: انا اسفه على الا امى عملته فيكى زمان… 


ظلت كارلا تنظر اليها بـ استفهام تحاول فك الغاز حديثها عندما سمعتها تسترسل حديثها قائلة.: انا اسمى الحقيقى… تولين يوسف الحديدى… بنت…. سارة عبد العزيز موسي.


انهت حديثها تتابع رد فعلها منتظره اجابتها التى تأخرت كثيراً وهى تبحلق بها بـ ملامح مبهمه لم تفهم منها اى رد فعل حتى يأست ان تسمع صوتها او اجابتها… انتفضت واقفه وهى تضم كفيها قائلة بـ سرعه حتى تهرب من امامها.: انا بشكرك جداً على اهتمامك بـ اختى الفتره الا فاتت… و اوعدك انك مش هتشوفينا مره تانيه فى حياتك.


هرولت من امامها ولكن لم تبتعد كثيراً وتخشبت ارجلها بـ مكانها عندما سمعت صوتها يوقفها قائلة.: ماريا… انا لسه مقبلتش اسفك… ولا انتى هتهربى منى.


التفتت اليها بـ ملامح مصدومه ولم تعرف ماذا تفعل؟…. وقفت كارلا متقدمه منها حتى وقفت امامها قائلة بـ ملامح جامده لا يظهر بها اى مشاعر تستشف منها رد فعلها…: الا اعرفه ان مامتك توفت… 


اومأت تولين بـ رأسها… فـ اكملت.: وعرفت انك هنا عشان بتحاربى ابوكى.


اتسعت حدقتيها من معرفتها ادق التفاصيل عنها لم يعرفها غير شهد… وتعلم ان شهد لن تخبرها مهما حدث من اين علمت؟… ظهر سؤلها على ملامحها عندما عقدة حاجبيها بـ استفهام… فـ ابتسمت كارلا بـ حنان مربته على خدها الايمن قائلة…: انا عارفتك من اول مره شوفتك فيها… وكنت عايزه اعرف انتى زيها ولا انتصرتى على شيطانك وبقيتى احسن منها… 


ظلت تنظر الى عينيها المصدومة و فكها المتشنج تحت كفها ثم تابعت.: انا عارفه انك مصدومة… بس انا عارفة كل حاجة عن سارة من ساعة اخر مره حاولت توقع اسهم شركتنا انا وسائر… قررت بعدها ان هى متبعدش عن عينى… وفعلاً دا الا حصل وعرفت ان هى ماتت بس للاسف معرفتش انقذها منه.


تجمعت غشاوه شفافه داخل عينيها ابت ان تطلق سراحها… اقتربت كارلا منها واحتضنتها لم تبادلها تولين بسبب تفاجأه ولكن اطلقت سراح عبراتها وضمتها اكثر مستشعره حنانها والامان التى افتقدته منذ صغرها... عندما سمعت همسها الحنون…: عيطى… مهما عملت هى امك… مهما حصل مقدرش الومك على ماضى انتى محضرتهوش.


وقف يتابعها من شباك مكتبه المطل على الحديقة فى جزءها المفضل… فهم انها علمت بما اخفاه… يعلم انها ذات شخصية قوية لا يستهان بها… يجب الان عليه التهيئ ان ينال عفوها عنه.



***************

دلف الى غرفته الساعة واحده بعد منتصف الليل… كان يأجل مواجهتها لـ اكبر وقت ممكن… بحث عنها وجدها تتمد على الفراش ولم تنتظره كـ العاده… معطيه اياه ظهرها وتمثل النوم.


اتجه الى غرفة الملابس واخذ بنطال قطنى مريح ثم اتجه الى الحمام كى يأخذ حمام بارد حتى يواجهها بـ ذهن صافى…


خرج بعد مرور بضع دقائق عارى الصدر كـ عادته واكتفى بـ البنطال… وجدها مازالت تمثل النوم اتجه اليها وجلس بـ جوارها على طرف الفراش مقابل وجهها قائلاً.: انا عارف انك صاحية… عشان مابتعرفيش تنامى الا فى حضنى… وعارف انى غلط لما خفيت عنك انها بنت ساره… بـ…..


لم تدعه يكمل حديثه عندما اعتدلت بـ جلستها تحتضنه وصدرت منها شهقه دليل على بكائها… مما جعله يقلق عليها و يشدد من احتضانها مرر يده على ظهرها يحاول تهدأتها والاخرى على رأيها ميمى.


همس بـ جوار اذنها كى تهدأ…: اهدى يا حبيبتي… اسـ…


قاطعته واضعه سبابتها على شفتيه تمنعه من استكمال حديثه… يكفى شعورها بـ الذنب منذ سنوات انها تخفى عنه سرها.


ظلت تنظر الى عينيه حتى حسمت امرها قائلة وهى تخفض عينيها من اسر عيناه لا تستطيع أن تنظر بهما وهى تصارحه… همست بـ خفوت حزين.: انا الا اسفه… حبيبى والله كان غصب عنى… مكنتش هقدر انى اشوفها بتدمر حياتنا تانى او تبعدنى عنك.


نظر لها لحظات بـ مشاعر مبهمه لم يفهم حرف مما قالته… لمس ذقنها بـ انماله رافعاً وجهها يأسر عيناها داخل عيناه سائلاً بـ استفهام.: اسفه على ايه؟….. ومين الا انتى قصدك عليها؟!.


لم تنطق بـ حرف وظلت تتأمل قهوته اللاذعه التى زادت عتمه حتى تحولت الى لون الاسود عندما ترجم نظراتها وخوفها المبطن داخلها قائلاً بـ عدم تصديق.: ساره… انتى كنتى عارفه كل حاجة من الاول.


ظلت تنفى بـ رأسها اتهامه المبطن لها بـ ان لها يد بـ نهايتها المأساوية قائلة.: أبداً والله… انا كل الا عملته انى راقبتها من بعيد عشان اسبقها ديماً بـ خطوة… انما يوم موتها مكنتش اعرف… والله ما كنت اعرف.


انتفاض بعيداً عنها كـ الملسوع… كان يظن انهم كتاب مفتوح لـ بعضهم… لا يوجد بينهم اسرار… لكن هو المغفل كـ العادة… وهى احكمت خيوطها حوله وتحكمت به… هو من كان كتاب مفتوحاً لها فقط.


نظر اليها بـ نظرات لم تتمنى ان تراه يوم منه… وقفت مسرعه تحاول ان تستعطفه وتترجاه ان يسامح ذلتها وخطأها الغير مقصود بـ حق رجولته ، ولكن كان فات الاوان وبدأت هى من الصفر بـ علاقة كان الجميع يحسدهم عليها… ابتعد عنها مهرولاً الى الاسفل حتى لا يفقد اعصابه ويفعل شئ يندم عليه… كانت تخبئ اسرار عنه… وهو من انبه ضميره انه اخفى عنها سراً لـ يوماً واحد فقط… يوم واحد وكان ناقوص الخطر يدق قلبه انه سوف يضايقها ولو قليلاً… انما هى اخفت عنه اسرار… ولـ سنوات.


****************


يتبع…….


****************



تعليقات

المشاركات الشائعة